بسم الله الرحمن الرحيم
الـــــقـــدس عــلـــى بــالـــي
إنها قصة من قصص مأساة شعبنا فعرض لها كل طفل وكل أسرة .
إنها قصة تدور أحداثها في إحدى مخيمات الشتات بلبنان . عن طفل ولد هناك لأسرة فلسطينية لأب مقدسي وأم لحمية , هذا الطفل هو أحمد الذي شاء القدر أن تحدث في مخيمه مجزرة قانا التي أفاق منها ليجد نفسه وأقرانه في الشارع بلا بيت وبلا أسرة لتضعه اللجان المسئولة في المخيم فيما بعد بإحدى دور الأيتام لتخفف عنه ويلات الزمان عاش احمد هناك ما يقارب ثلاث سنوات كاملة وكان يتميز بالعزلة والهدوء وبدموع تملأ مقلتيه الصغيرتين يراها كل من يحدق بذلك الوجه الملائكي الذي ترى به جمال فلسطين إلا أن القدر يشاء أن يغير لأحمد مجرى حياته , عندما نزلت من إحدى السيارات الفخمة سيدة أنيقة تضع على معصمها معطف تتناثر منها رائحة العطر, وفتحت باب الميتم بهدوء وأخذت عيون الملائكة الصغار تلاحق خطواتها باستغراب ودهشة
فنادراَ ما يأتي زائراَ إلى هذا الميتم إلى أن السيدة تابعت مسيرها بخطوات واثقة ودون اكتراث نحو إحدى العاملات وسألتها عن مديرة الميتم فأشارت لها نحو باب أزرق اتجهت نحوه كسهم كأنها قد وجدت ما تريد دقت الباب ودخلت هناك وبعد لحظات خرجت ومعها المديرة ونادت على الأطفال ورتبتهم في صفوف وأخذت السيدة تتفحص وجوه الأطفال باحثةَ عن طفل يخفق قلبها له ليكون ابناَ لها ولتعوض نفسها وزوجها عن نعمة حرمهما منها الله .
وما هي إلى لحظة وتقف السيدة متسمرةَ أمام أحمد وتقول للمديرة هذا الطفل الذي أريد يا سيدتي وتمسك المديرة بيد الطفل وهو لا ينبس بكلمة واحدة قائلةَ له (إن طاقة القدر قد فتحت لك )
ويكمل الطفل صمته لأنه لم يفهم ما تعني المديرة وبعد أن أنهت السيدة الإجراءات القانونية للتبني أمسكت بيد أحمد وانطلقت مسرعة َ لتضع أحمد في سيارتها وتطلق لها العنان , لتكمل باقي الإجراءات والسفر إلى سويسرا بلد الجمال والحياة كما يسمونها .
وهي تكاد تطير من الفرح وبعد بضع ساعات تصل الطائرة إلى سويسرا لتجد هناك في أرض المطار زوجها في انتظارها .
الذي يضم أحمد إلى صدره مقبلاَ إياه ويحمله إلى السيارة .
وفي داخل السيارة تقول السيدة لزوجها إنها تريد أن تسكن في إحدى القرى السويسرية , فهي تريد أن تبعد هذا الصغير عن كل شيء يتعلق بالماضي فهي تريد احمد لها وحدها فلا تريد أن تخسره.
ونسيت السيدة أن الفلسطيني مفطور على حب فلسطين .
وأخذت تدلل أحمد هي وزوجها بالهدايا والألعاب وقررا أن يرسلاه إلى إحدى المدارس هناك .
وتمضي الأيام والسنون ويكبر احمد , ولكن لا تمر عليه ليلةَ دون أن يفيق من نومه مذعوراَ خائفاَ , ويسأله في إحدى الليالي أبيه عن ذلك الشيء الذي يفزعه ويجيب أحمد انه حلم يا أبي في أوله يكون جميل فأنا أرى نفسي داخل مدينة وأسمع أصوات أجراس وأذان وصلاة وامشي في أسواق ولكن فجأة يظهر جندي ويصوب بندقيته نحوي فأفيق من نومي مفزوعاَ. ولكن ما يحيرني يا أبي هل هذه المدينة حقيقة أم خيال ويصمت الأب في ذهول وخوف وزوجته تشير له بأهداب عينيها أن لا يتكلم .
فيقول الأب لأحمد محاولا أن يخفف عنه انه مجرد حلم يا أحمد وينهض الأب إلى غرفته وتتبعه الأم أيضاَ .
ويدور بينهما نقاش وتساؤلات .
لقد حاولنا أن نبعده عن ذلك الماضي بكل قوتنا ولكن يأبى إلا
أن يزوره ولو بالأحلام , وتتوسل الأم بدموعها إلى الأب أن لا يخبر أحمد عن شيء , ويجيب هل جننني فأحمد كل حياتي .
وتدور الأيام ويكبر احمد ويصبح شابا وسيما تعتز به كل أم على أدبه وأخلاقه , فلا شك أن السيد والسيدة قد كرسا له كل جهد ووقت ليصبح مثاليا وينهي دراسته بتفوق .
الأب : ماذا قررت أن تدرس يا أحمد .
أحمد : أنا أميل إلى الفنون الجميلة بالإضافة كليتها في الضاحية القريبة .
الأم : موافقة , لأن هذا أفضل لك ولنا لأنك تستطيع كل يوم أن تذهب وتعود إلى البيت , وبذلك أكو مطمئنة عليك يا ولدي .
وفي صباح الغد يذهب أحمد مع أبيه ويسجل في تلك الكلية ويتعرف هناك على شاب عربي مصري يقدم له المساعدة ويعرفه على الكلية وأقسامها والكتب ألازمة للدراسة وذلك بحكم أن تامر في السنة الثانية من الدراسة كما يعرفه على زميلته بيسان الفلسطينية
قائلاَ لها هذا أحمد لبناني .
وتقترب بيسان وتمد يدها لتصافح أحمد , ممازحةَ إياه سنتعرف عليك أكثر أيها الوسيم لبناني .
وتمر أيام الدراسة , وفي إحدى الأيام المشمسة هناك يطلب الدكتور من الطلاب أن يخرجوا إلى حديقة الكلية وكل واحد معه لوحته وألوانه ليرسم لوحة جميلة تدور في خياله وأحلامه .
ويقول أحمد :أحلامه ,نعم سأرسم تلك المدينة الجميلة ويحمل فرشاته ويبدأ تجسيد تلك اللوحة الرائعة طالما رآها في أحلامه
ويفيق أحمد , على صوت بيسان وهي تصرخ اووه اووه
القدس القدس !!!
ويلتفت أحمد ويسأل تامر أين هي ؟من تكون ؟
ويضحك تامر ويضحك بصوت مرتفع بك إيه يبني .
أين تعيش ؟
القدس عاصمة فلسطين دولة بيسان أليس بيروت عاصمة لبنان ؟
والقدس عاصمة فلسطين .
أحمد :أأنت متأكد يا تامر مما تقول .
تامر :نعم أليس عندك معلومات عن وطنك العربي ؟
أحمد : أنا أسف , ولكن طبيعة الحياة التي عشتها مع أبي وأمي كانت في معزل عن كل شيء عربي .حتى لبنان وطني لا أعرف عنه سوى اسمه .
بيسان : إذاَ أنت معذور يا أحمد .ما رأيك أن تأتي معي في الإجازة الصيفية لزيارة القدس ,وهناك تتعرف على هذه المدينة الجميلة وتغير جو .
ويجمع أحمد ألوانه وكتبه بسرعة ويعود إلى البيت والذهول يخيم عليه ومليون سؤال يدور في رأسه , ويحاول أن يجد لها إجابة طول الطريق دون جدوى مثل _ القدس عاصمة فلسطين وأنا لبناني لماذا تزورني في أحلامي ؟
ويصل إلى البيت ويسير بخطوات ثقيلة ويقرع الجرس , ويفتح الأب الباب قائلاَ : ما بك يا أحمد لونك مخطوف .
أحمد : لقد عرفت يا أبي كل شيء .
الأب : في خوف شديد وقلق ماذا عرفت يا أحمد ؟
أحمد : عرفت تلك المدينة التي كنت أراها في منامي إنها القدس يا أبي ولكن ما يذهلني لماذا كنت أرها ؟
يصمت الأب ويفيق من صمته على ولولت الأم قائلة َ: (اللعن اللعنة ستسرقه تلك المدينة منا ).
الأب : اصمتي أحمد أصبح رجلا ولا بد أن يعرف الحقيقة وله حرية الاختيار .
أحمد : أية حقيقة يا أبي .
يمسك الأب بيد أحمد ويجلسه على كرسي بجانه ويحكي له القصة كاملة , ولك يا بني حرية الاختيار فأنا وأمك لم نقصر يوماَ بك فكل ما نتمناه أن تكون ولدنا البار كما عهدتاك .
ويعانق أحمد والديه بشدة مقبلاَ أياديهما شاكراَ لفضلهما طالباَ منهما السماح له أن يذهب لزيارة تلك المدينة بلاجازة , فهي لها حق عليه ولا بد أن يكون باراَ لها كما هو بار لهما .